mercredi 11 avril 2012

هل سينسفون تمثال ابن خلدون؟؟


حركة طالبان تلك الحركة النيّرة التي جعلت من إمارة أفغانستان الإسلامية جنّة على وجه الأرض، توجّت مشروعها الحضاري والثقافي بنسف تماثيل ضخمة لبوذا منحوتة في جبال قرية "باميان"، تماثيل قديمة نحتها أهل البلاد الأوائل في القرون الغابرة وكانت تعدّ رمزا من رموز الإبداع الإنساني إلى أن قررّ المولى عمر حفظ الله عينه الوحيدة إزالتها بالمتفجرات والمدفعية نصرة لكلمة الله.

وقبل هذا الحدث لم يكن أحدٌ يأبه لتصرفات حركة طالبان بالرغم من أنّها روّعت الأفغان وقمعت أبسط الحريات اليومية وجعلت من النساء في مرتبة العبيد ولكن بعد تفجير التماثيل العملاقة اكتشف العالم بأسره المواهب الخلاقة لأتباع المولى عمر والشيخ الجليل أسامة بن لادن.

في تونس نحن اليوم في مرحلة ما قبل تفجير تماثيل باميان فالعالم الخارجي لا يزال والحمد لله لم يسلّط الاضواء الكاشفة على صولات وجولات أصدقائنا المتشددين بالرغم من تكاثر تصرفاتهم الرعناء وما أتمناه هو أن تتخذ السلطات موقفا حازما على غرار حزمها في التصدي للتظاهرات السلمية قبل أن يقدم عشاق التطرف على تجاوز الخطوط الحمراء باقتراف أعمال ذات بعد إرهابي تشوه سمعة البلاد في أنظار العالم وحتى لا يتحول شبه الربيع الديمقراطي إلى جحيم أصولي حقيقي.

jeudi 5 avril 2012

أسطورة الإسلام التونسي


 من المضحكات المبكيات التي برزت على الساحة السياسية والإعلامية خلال الفترة الأخيرة الاستعمال المفرط من قبل أنصار التيارات الحداثية والتقدمية لعبارة الإسلام التونسي أو الإسلام الزيتوني وذلك في محاولة للتصدي للأطروحات السلفية. ولكن ماذا تعني عبارة الإسلام التونسي؟

البعض يُعرّفه بأنه ذلك الإسلام المتسامح المتفتح على الآخر والذي يقبل الاختلاف والتعددية. وما من شكّ أنّ هذا التعريف لا يخلو من ظرافة وطرافة لكني أعتقد جازما أنّ اصحابه يستمدّون مرجعيتهم الفقهية من أفلام عصفور سطح وصيف حلق الوادي للإمام الجليل فريد بوغدير حفظه الله وأطال في أنفاسه. حيث أنّ مثل هذا الرأي ينمّ عن جهل مطبق بأحكام الشريعة الإسلامية ولا أقصد أحكامها الظنيّة الخلافية بل أحكامها القطعية ثابتة الدلالة المستندة لنصوص صريحة والتي لا تختلف حولها قيد أنملة جميع المذاهب الفقهية.

هناك أيضا من يعرّف الإسلام التونسي بأنّه ذلك الإسلام النابع من اجتهادات علماء الزيتونة والمذهب المالكي والذي هو في نظرهم أكثر انفتاحا من الإسلام السلفي ويستشهدون في هذا الإطار بخصوصية ما يعرف بالصداق القيرواني أي جواز اشتراط المرأة على الرجل في عقد القران أن لا يتخذ عليها زوجة ثانية. وهذه المسالة كما نلاحظ ليست ذات طابع جوهري بل تكاد تكون هامشية في إطار المنظومة التشريعية الإسلامية ولكن أنصار الحداثة لا يملّون من الاستشهاد بها. كما أنّ العديد منهم لا يضيّع فرصة للتذكير بردّ علماء الزيتونة على رسالة محمد بن عبد الوهاب التي دعى فيها أهل تونس إلى الرجوع إلى الدين الصحيح. لكن من يسوقون هذه الحادثة لإبراز خصوصية الإسلام التونسي يجهلون أبعادها الحقيقية فالصراع الفقهي لم يكن حول تطبيق الشريعة أو السماح بحرية المعتقد أو إلغاء تعدد الزوجات أو إقرار المساواة في الميراث بل حول مسائل ثانوية بالنسبة إلينا اليوم وهي تلك التي تتعلّق بمدى جواز التبرك بأضرحة ومشاهد الأولياء والصالحين وإمكانية زيارة القبور وبناء القباب والمباني عليها. فالمنحى الوهابي ذي الجذور الحنبلية يكفّر من يقوم بهذه الأعمال بوصفها ضربا من الشرك بالله بينما اعتبر علماء الزيتونة وعلى رأسهم الشيخ عمر المحجوب أنّ هذا الحكم مشط وفي الواقع لم يكن لهم أن يقولوا غير ذلك بالنّظر إلى تفشي تلك الظواهر في المجتمع التونسي.

خلاصة القول أنّه ليس هناك إسلام تونسي هناك إسلام واحد يشتمل على مسائل قطعية ثابتة وأخرى خلافية ظنيّة احتكم فيها أهل الملل للاجتهاد لكن بضوابط محددة فمنهم من انتهج منحى التيسير ومنهم من اختار طريق الشدّة درءا للفتنة. وصدق أحد المدونيين حين قال أنّه لو طبّق اليوم المذهب المالكي بحذافيره لقطعت عديد الرؤوس والأيدي والأرجل. فلا ننسى أنّه باسم المذهب المالكي أمر الباي خلال القرن التاسع عشر وبمباركة علماء الزيتونة بقطع رأس اليهودي باطو سفاز الذي اتهم حينها بشتم الرسول صلى الله عليه وسلّم ولا أعرف لماذا ينسى أو يتناسى أنصار "تونسة" الإسلام مثل هذه الواقعة التاريخية المعبّرة ربّما لأنّها لا تخدم أسطورة الإسلام التونسي المتفتح النابع من أرض الضاحية الشمالية الطيبة ومن أحياء المنزه والمنار الكريمة.

فإذا لم يكن هناك إسلام تونسي أو إسلام "لايت" مختلف جذريا عن الإسلام السلفي فحول ماذا يتمحور الصراع الفكري اليوم؟

في حقيقة الأمر الصراع الأساسي يدور اليوم حول مسألة جوهرية تخشى العديد من النخب النيّرة الخوض فيها صراحة إمّا عن جهل أو لأسباب سياسوية انتخابية ضيقة وبالتالي هم يمارسون ما يمكن أن نسميه بالتقية العلمانية من خلال استعمال عبارات فضفاضة من قبيل الإسلام التونسي أو الزيتوني. هذه المسألة الجوهرية المسكوت عنها هي إمكانية تأويل النص الصريح وتجاوزه إذا لم يتفق مع مبادئ الحرية وحقوق الإنسان بمفهومها الحديث وذلك باعتبار أنّ الأحكام نسبية مرتبطة بسياقها التاريخي وأنّ المقاصد الكبرى كالعدالة والمساواة صالحة لكلّ زمان ومكان وهي التي تمكن من تطوير الأحكام.

هنا يكمن الصراع الحقيقي الذي سيحدد ملامح المجتمع التونسي خلال السنوات القادمة وهو ما أدركه في وقت مبكر جدّا المفكر والمصلح الكبير الطاهر الحداد في كتابه الرائد امرأتنا في الشريعة والمجتمع وذلك ما يفسّر الهجمة الشرسة التي تعرّض لها من قبل العديد من علماء الزيتونة نفس هؤلاء العلماء الذين جعلت منهم اليوم نخبنا التقدمية رموز الحريّة والحداثة.

vendredi 16 mars 2012

ماذا نريد من الثورة التونسية ؟


الإجابة على هذا السؤال لا يمكن أن تكون واحدة فكلّ فئة من فئات الشعب التونسي ستجيب عليه من خلال ما تحمله من آمال وتطلعات ومشاغل والتي هي مختلفة بقدر اختلاف انتماءاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية (اعتذر من الرفيق كارل لعدم استعمال مصطلح "الطبقية" فتهم الإلحاد والشيوعية قد تصبح قريبا محلّ مؤاخذة قضائية في هذا البلد الأمين مما يستوجب تبني التقية اللفظية.)

وقد يقول البعض أنّ هناك جملة من المطالب الأساسية التي يتفق حولها جميع التونسيين مهما اختلفت رؤاهم وتوجهاتهم وهي تلك التي تتعلق بالحرية والعدالة والكرامة. لكننّي شخصيا لا أشاطر هذا الرأي إذ توجد بيننا أقلية (أتمنى أن تكون كذلك) مقتنعة أنّ الوصول إلى الحرية والكرامة يمرّ وجوبا عبر تطبيق إيديولوجيا قمعية صلب المجتمع التونسي مستمدّة من تأويلات متطرفة للقرآن والسنة. وبالتالي فإنّ الحديث عن مفاهيم مثل حقوق الإنسان والمواطنة لا يعني شيئا بالنسبة لهذا الصنف من التونسيين.

ومع الأسف يوجد من بين منخرطي بعض الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية من يتبنّى هذا الرأي بل ويحاول إقحامه داخل المنظومة القانونية التونسية تحت غطاء الشرعية الانتخابية وهو نفس الغطاء الذي مررّ به الأخ أدولف أفكاره النيّرة التي ملأت العالم بردا وسلاما.

وبهذا المعنى فإنّ الثورة التونسية في حدّ ذاتها ليست حدثا هامّا فما يهمّ هو معرفة أيّ مشروع مجتمعي ستؤدي إليه. فمثلا في الأنموذج الإيراني (عافانا وعافاكم الله) لم تكن الثورة إلاّ مرحلة عابرة بين دكتاتورية مدنية وأخرى دينية. فالسؤال الأساسي إذن هو هل ستتحول تونس إلى جمهورية عصرية يسودها العدل وتُحترم فيها حقوق الإنسان بمفهومها المتعارف عليه دوليا احتراما كاملا أم ستتحول إلى جمهورية قروسطية تحكمها تأويلات ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب. فإمّا أن نكون ديمقراطية مدنية أو لا نكون ذلك هو السؤال.

mercredi 14 mars 2012

حين تساوي الثورة بين النضال الشريف والرداءة الالكترونية



جاء في الأثر: رحم الله من قال خيرا فغنم أو سكت فسلم. وأعترف أنني في سنوات الجمر النوفمبرية كنت ممّن فضلوا لزوم الصمت بل والصمت المطبق خوفا من بطش السلطان وأعوانه وبحثا عن السلامة ورغد العيش. وفي المقابل خيّر بعض المدونين إعلاء كلمة الحق فتجاوزوا حاجز الخوف وعبّروا عن آرائهم بكلّ جرأة وشجاعة مع علمهم أنّ حياتهم وحياة ذويهم قد تصبح في أيّ لحظة فريسة لآلة القمع الوحشية. من بين هؤلاء الشرفاء من ضحى بالغالي والنفيس من أجل الحرية والكرامة على غرار شهيد الرأي زهير اليحياوي الذي أقضّ مضجع المخلوع بكتاباته النارية وسخريته اللاذعة في زمن كان فيه الكثيرون لا يجرؤون حتّى على دخول المواقع الالكترونية المعارضة.

وبالنّظر إلى السيرة البطولية للشهيد زهير اليحياوي ولبعض من نسج على منواله ليس من الغريب أن تُقدِمَ رئاسة الجمهورية على تكريمهم والإشادة بنضالاتهم لكن الغريب أن يكون حفل التكريم فرصة لدعوة شقّ آخر من المدونين ونشطاء الانترنت ممن عرفوا بتضحياتهم الجسام وكفاحهم المجيد في سبيل الدفاع على حرية اختيار لون الملابس الداخلية وحريّة إقحام اللعبة الجنسية الملائمة داخل المنافذ التناسلية أو حرية الحديث عن نتائج المباريات الكروية وألعاب الجمباز والقفز بالزانة.

وحقيقة أنّ هذا الصنف من التكريم أمر مشجع لكلّ جبان انتهازي وكلّ تافه بليد الطبع والفكر إذ في صورة عودة الدكتاتورية (والعياذ بالله) لن يكون من الضروري معارضة الظلم والمحسوبية والدفاع عن حقوق الانسان إذ يكفي لزوم الصمت والكتابة حول مواضيع ذات أبعاد جنسية أو رياضية لكي يتمّ الاحتفاء بك بعد نجاح الثورة ودعوتك لحضور المحافل الرسمية والحفلات التكريمية. وصدق من قال أنّ كلّ أمّة تحظى بالنخب التي تستحقها.

mardi 13 mars 2012

حدث ميشال فوكو قال


من خلال أبحاثه حول تمظهرات السلطة وهيكلتها داخل المجتمعات الغربية استنتج الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو أنّه إلى جانب السلطة السياسية بما هي سلطة ردعيّة تفرض تطبيق أحكام وقوانين زاجرة هناك العديد من السلط الأخرى قد تبدو هامشية أو "مكروسكوبية" لكن لها دور كبير في تأطير المجتمعات عبر إنتاج قيم وقواعد تساهم في صقل الوعي الجماعي وتوجيهه. وبهذا المعنى يمكن القول أنّ بروز التيارات الاسلاموية المتطرفة على الساحة التونسية وتكوينها مؤخرا لجمعيات عقائدية من صنف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو إعلان عن نشأة مراكز ميكروسكوبية جديدة للسلطة من شأنها، إن تواصلت هذه الظاهرة، التأثير على وعي وخاصّة لا وعي الأجيال القادمة.

فما يعتبر حاليا عادي ومقبول داخل المجتمع التونسي في مجال السلوكيات والملبس سوف يصبح محلّ نقاش ومراجعة بوصفه لا يتماشى مع القواعد الدينية كما يفهمها المتطرفون والمتشددون. وهو نفس ما حصل في المجتمع المصري بداية من سبعينيات القرن الماضي إذ أنّ اكتساح الفكر الديني المتزمت لمختلف مجالات الحياة المصرية غيّر تماما الوعي الاجتماعي السائد. ومما لا شكّ فيه أنّ ما نعيشه اليوم في تونس سوف يكون له انعكاسات هامة على المستقبل ولعلّ بعض الأطفال لن يصدّقوا آبائهم وأمهاتهم حين سيحدثونهم على ما كانت عليه تونس فيما يتعلق بالحريات الفردية خاصة تلك الممنوحة للنساء وقد تسأل بنت صغيرة أمها بكل ذهول وحيرة ما إذا كانت فعلا يمكنها الخروج إلى الشارع دون نقاب.