jeudi 5 avril 2012

أسطورة الإسلام التونسي


 من المضحكات المبكيات التي برزت على الساحة السياسية والإعلامية خلال الفترة الأخيرة الاستعمال المفرط من قبل أنصار التيارات الحداثية والتقدمية لعبارة الإسلام التونسي أو الإسلام الزيتوني وذلك في محاولة للتصدي للأطروحات السلفية. ولكن ماذا تعني عبارة الإسلام التونسي؟

البعض يُعرّفه بأنه ذلك الإسلام المتسامح المتفتح على الآخر والذي يقبل الاختلاف والتعددية. وما من شكّ أنّ هذا التعريف لا يخلو من ظرافة وطرافة لكني أعتقد جازما أنّ اصحابه يستمدّون مرجعيتهم الفقهية من أفلام عصفور سطح وصيف حلق الوادي للإمام الجليل فريد بوغدير حفظه الله وأطال في أنفاسه. حيث أنّ مثل هذا الرأي ينمّ عن جهل مطبق بأحكام الشريعة الإسلامية ولا أقصد أحكامها الظنيّة الخلافية بل أحكامها القطعية ثابتة الدلالة المستندة لنصوص صريحة والتي لا تختلف حولها قيد أنملة جميع المذاهب الفقهية.

هناك أيضا من يعرّف الإسلام التونسي بأنّه ذلك الإسلام النابع من اجتهادات علماء الزيتونة والمذهب المالكي والذي هو في نظرهم أكثر انفتاحا من الإسلام السلفي ويستشهدون في هذا الإطار بخصوصية ما يعرف بالصداق القيرواني أي جواز اشتراط المرأة على الرجل في عقد القران أن لا يتخذ عليها زوجة ثانية. وهذه المسالة كما نلاحظ ليست ذات طابع جوهري بل تكاد تكون هامشية في إطار المنظومة التشريعية الإسلامية ولكن أنصار الحداثة لا يملّون من الاستشهاد بها. كما أنّ العديد منهم لا يضيّع فرصة للتذكير بردّ علماء الزيتونة على رسالة محمد بن عبد الوهاب التي دعى فيها أهل تونس إلى الرجوع إلى الدين الصحيح. لكن من يسوقون هذه الحادثة لإبراز خصوصية الإسلام التونسي يجهلون أبعادها الحقيقية فالصراع الفقهي لم يكن حول تطبيق الشريعة أو السماح بحرية المعتقد أو إلغاء تعدد الزوجات أو إقرار المساواة في الميراث بل حول مسائل ثانوية بالنسبة إلينا اليوم وهي تلك التي تتعلّق بمدى جواز التبرك بأضرحة ومشاهد الأولياء والصالحين وإمكانية زيارة القبور وبناء القباب والمباني عليها. فالمنحى الوهابي ذي الجذور الحنبلية يكفّر من يقوم بهذه الأعمال بوصفها ضربا من الشرك بالله بينما اعتبر علماء الزيتونة وعلى رأسهم الشيخ عمر المحجوب أنّ هذا الحكم مشط وفي الواقع لم يكن لهم أن يقولوا غير ذلك بالنّظر إلى تفشي تلك الظواهر في المجتمع التونسي.

خلاصة القول أنّه ليس هناك إسلام تونسي هناك إسلام واحد يشتمل على مسائل قطعية ثابتة وأخرى خلافية ظنيّة احتكم فيها أهل الملل للاجتهاد لكن بضوابط محددة فمنهم من انتهج منحى التيسير ومنهم من اختار طريق الشدّة درءا للفتنة. وصدق أحد المدونيين حين قال أنّه لو طبّق اليوم المذهب المالكي بحذافيره لقطعت عديد الرؤوس والأيدي والأرجل. فلا ننسى أنّه باسم المذهب المالكي أمر الباي خلال القرن التاسع عشر وبمباركة علماء الزيتونة بقطع رأس اليهودي باطو سفاز الذي اتهم حينها بشتم الرسول صلى الله عليه وسلّم ولا أعرف لماذا ينسى أو يتناسى أنصار "تونسة" الإسلام مثل هذه الواقعة التاريخية المعبّرة ربّما لأنّها لا تخدم أسطورة الإسلام التونسي المتفتح النابع من أرض الضاحية الشمالية الطيبة ومن أحياء المنزه والمنار الكريمة.

فإذا لم يكن هناك إسلام تونسي أو إسلام "لايت" مختلف جذريا عن الإسلام السلفي فحول ماذا يتمحور الصراع الفكري اليوم؟

في حقيقة الأمر الصراع الأساسي يدور اليوم حول مسألة جوهرية تخشى العديد من النخب النيّرة الخوض فيها صراحة إمّا عن جهل أو لأسباب سياسوية انتخابية ضيقة وبالتالي هم يمارسون ما يمكن أن نسميه بالتقية العلمانية من خلال استعمال عبارات فضفاضة من قبيل الإسلام التونسي أو الزيتوني. هذه المسألة الجوهرية المسكوت عنها هي إمكانية تأويل النص الصريح وتجاوزه إذا لم يتفق مع مبادئ الحرية وحقوق الإنسان بمفهومها الحديث وذلك باعتبار أنّ الأحكام نسبية مرتبطة بسياقها التاريخي وأنّ المقاصد الكبرى كالعدالة والمساواة صالحة لكلّ زمان ومكان وهي التي تمكن من تطوير الأحكام.

هنا يكمن الصراع الحقيقي الذي سيحدد ملامح المجتمع التونسي خلال السنوات القادمة وهو ما أدركه في وقت مبكر جدّا المفكر والمصلح الكبير الطاهر الحداد في كتابه الرائد امرأتنا في الشريعة والمجتمع وذلك ما يفسّر الهجمة الشرسة التي تعرّض لها من قبل العديد من علماء الزيتونة نفس هؤلاء العلماء الذين جعلت منهم اليوم نخبنا التقدمية رموز الحريّة والحداثة.

2 commentaires:

DIDON a dit…

الواقع هو أن تونس هي على الدوام موقع لممارسة الصراعات للقوى الإقليمية و العالمية فمسألة الهوية مثلا هي دوما مؤشر لهذه القوى.

Ecrits-anonymes a dit…

@DIDON
المعضلة الكبرى ان شريحة هامة من التونسيين تفهم الهوية فهما سلبيا قوامه التقوقع واقصاء الآخر