عبارات سمجة هدّد بها القدافي شعبه قبل أن يزجّ به
الثوار في مزبلة التاريخ مفتضّ البكارة. عبارات مستقاة من قاموس الدكتاتورية
والعنجهية يلجأ إليها كلّ متجبر عنيد لترهيب شعبه وإجباره على الخضوع لسطوته. ومع
الأسف الشديد توجد فئات في المجتمع التونسي شرعت في استعمال مثل هذه العبارات قصد
نشر إيديولوجيتها الظلامية وأفكارها المتطرفة.
هذه الفئات ترفض لغة الحوار الحضاري وتفضّل استعراض
العضلات الفلكلوري والهمجي كوسيلة لتحقيق مآربها على غرار الهجمات المنظمة التي
تكثفت في الآونة الأخيرة ضدّ المؤسسات التربوية والثقافية. فهل أصبحت تونس مقاطعة
أفغانية أو محافظة عراقية حتّى يرتع فيها أمراء الحرب والميليشيات الدينية ممّن
يحاولون فرض نمط معيشي مستورد لا يمتّ بصلة إلى الواقع التونسي؟
يجب على الحكومة الجديدة أن تتصدّى بكلّ حزم لمثل هذا
الالتفاف الفاحش على القانون والمؤسسات الوطنية ولا أقصد ذاك الحزم الدكتاتوري
الذي أشار إليه المخلوع قبل رقصته البهلوانية الأخيرة وإنّما الحزم الديمقراطي
المبني على استعمال العنف الشرعي والمقنن ضدّ كلّ من تسوّل له نفسه الأمارة بالسوء
اللجوء إلى منطق القوة لفرض آرائه وتوجهاته على بقية أفراد المجتمع.
إنّ النظام الجديد الذي يستمدّ وجوده من الشرعية
الانتخابية لا يمكن أن يقبل بمثل هذا التعدي على هيبة الدولة التونسية مجسّمة في
مؤسساتها التربوية وحتّى وإن وقع تقزيم تلك الهيبة خلال الحقبة الطرابلسية
واستعمالها لخدمة غايات شخصية دنيئة، فإنها تبقى رغم ذلك خطّا أحمر لا يمكن تجاوزه
من قبل أيّة فئة ضالة "لا تَصلحُ ولا تُصلحُ" وإلا سيكون ذلك إعلانا
صريحا لبداية نهاية التجربة الديمقراطية التونسية.
يجب على السيد الجبالي ومن معه أن يدركوا أنّ هيبة
الدولة مكسب ناضلت من اجله أجيال عديدة من التونسيين وأنّهم الآن بوصولهم إلى سدّة
الحكم ورثة ذلك النضال الذي ابتدأ منذ أن رفعت السفن التونسية العلم المفدّى في
ميناء الأستانة معلنة استقلالها الرمزي عن الباب العالي. كما أنّه من أجل تلك
الهيبة كافح خير الدين أمام القضاء الفرنسي لاسترجاع الأموال التي نهبها من خزينة
الدولة أجداد النمط الطرابلسي. ومن أجلها أيضا ناضل الحامي والثعالبي وحشاد
وكثيرون معهم حتى تمكن بورقيبة من إقرار تلك الهيبة على أرض الواقع لكن لكي يتولى
مع الأسف تقويض دعائمها بنفسه بعد ذلك.
إنّ الدولة التونسية ليست
جمهورية موزية كما أرادها بن علي أن تكون بل هي سليلة تاريخ عريق راسخ في القدم
وعلى من سيحكم تونس باسم الشعب والقانون أن يصون هيبتها وشموخها من مثل هذه
التصرفات الرعناء المتطرفة حتى يبرهن لخصومه ولشريحة هامة من المجتمع التونسي أنّ مخاوفهم تجاه السياسة التي سينتهجها هي من باب الظنّ الآثم لا اليقين الثابت.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire