من الآراء الشائعة حاليا في المجتمع التونسي ذلك القائل
بأنّ الجدال حول شرعية لبس النقاب في قاعات الدرس والامتحان أمر ثانوي يجب تجاوزه
باعتباره بعيد كلّ البعد عن أولويات المرحلة الراهنة والتي هي بالأساس ذات طابع
اقتصادي ومعيشي.
والغريب في الأمر أنّ الذين يتبنون هذا الرأي ويدافعون
عنه بحماسة لا يبيّنون ما الذي يجب القيام به لتجاوز هذا الجدال. فهل يكفي أن نعلن
أنّ مسألة ما هي من باب القشور وسفاسف الأمور لكي تضمحل بصفة شبه سحرية؟ في
الحقيقة إنّ هذا الرأي لا يستقيم البتة بل إنّ ما أخشاه هو أن يكون نابعا عن رغبة
في غضّ الطرف بصفة متواطئة عن تصرفات تلك الأقلية التي تريد أن تفرض بالقوة
معتقداتها على المؤسسات الوطنية.
إنّ الصراع الذي برز في الآونة الأخيرة حول النقاب يشكل
قضية جوهرية باعتبار أنّ الطريقة التي سيقع توخيها لحلّ هذه المعضلة ستحدد دون شك
ملامح المجتمع التونسي خلال السنوات القادمة. فتلك المجموعات التي تتشدق بحرية
الرأي والملبس للدفاع عن معتقداتها هي في حقيقة الأمر تريد أن تفرض نموذجا
اجتماعيا جديدا من خلال إتباع سياسة مرحلية طويلة المدى. فكلّ نصر ستحققه على أرض
الواقع ستحاول استثماره لفرض تنازلات جديدة على أفراد المجتمع التونسي في مجال
الحريات الشخصية والحقوق الفردية وأكبر دليل على ذلك ما تعرضت له بعض المدرسات
والطالبات من مضايقات بسبب ملبسهن وكذلك الدعوات المتكررة لمنع الاختلاط في
المؤسسات الجامعية.
يخطئ الذين يعتقدون أنّ تجاهل مثل هذه المسائل المحورية
وذات البعد الحضاري كفيل بحلّها فالصياد لا يختفي بمجرد أن تغرس النعامة رأسها في
التراب.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire