mardi 6 mars 2012

من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر

استرعى انتباهي مقال صدر في جريدة "التونسية" تلك الجريدة الغرّاء التي تحوّل مديرها بين عشيّة وضحاها إلى مانديلا الإعلام وشهيد الحريّة بسبب نشر صورة رياضي أزرق البشرة وهو يداعب ثديا افرنجيا. المقال الذي شدّني تعرّض لمسألة اعتناق بعض الشباب التونسي للديانة المسيحية وكنت اعتقد أنّ كاتب المقال سوف يتطرّق إلى هذا الموضوع في شكل تحقيق صحفي مفصّل يلتزم فيه بالموضوعية والحياد لكنّي تفاجئت بالكمّ الهائل من الشتائم والسخرية الذي وجهه لهؤلاء الشباب بل ونصّب السيد الصحفي نفسه واعظا ومرشدا دينيا حيث أفرد قسما كبيرا من مقاله للتعريف بمحاسن الإسلام ملمّحا إلى أن من يخرج عنه لا يمكن أن يكون إلا ساذجا أو جاهلا.

ولنتخيّل لحظة أنّ مثل هذا المقال صدر في جريدة غربية كافرة وتمّ فيه الحديث بنفس هذا الأسلوب اللاذع عن اعتناق ثلّة من الشبان المسيحيين الإسلام. ماذا كانت ستكون ردود فعل بعض المسلمين؟ سوف تثور دون شكّ ثائرتهم وسوف يعتبرون أنّ مثل هذا التشهير الدنيء بمن دخلوا في رحاب الدين الحنيف يتنزّل في خانة العنصرية والعداء البدائي للإسلام والمسلمين فكيف يمكن التهكم على من اختار طواعية تغيير دينه والالتحاق فرحا مسرورا بملّة الإسلام.

ولكن حين يتعلق الأمر بمسلم غيّر دينه تتشنج الأعصاب وتتأجج المشاعر وكأنّ خروجه عن الملّة وصمة عار للأمة الإسلامية قاطبة. بل يكاد يصل الأمر إلى المطالبة بقطع عنقه تطبيقا لحدّ الردّة. متى سنتعلّم أنّ كلّ امرئ حرّ في اختياراته الدينية والعقائدية ومسؤول فقط أمام خالقه؟ وأيّ دين هذا الذي يرضى به الفرد خوفا فقط من حدّ السيف؟ هل سنعزّ الإسلام بترهيب الناس وتخويفهم؟

والغريب في الأمر أنّه قبل يومين قرأت مقالا آخر حول اعتناق مواطن كندي وآخر إيطالي للإسلام وكيف قوبل ذلك بالتهليل والتكبير من قبل الحاضرين. في الحقيقة أنّ مثل هذا الخبر ينتمي إلى نفس المسار الفكري الساذج الذي يجعل من الدين شركة تجارية نفرح بارتفاع عدد حرفائها ونحزن ونغضب عند عزوف البعض منهم عنها والتحاقهم "بشركات" أخرى. فهل الدين مجرد أصل تجاري يجب الحفاظ على حرفائه مهما كلّف الثمن أم هو منهج حياة يؤمن به الفرد ويتّبعه عن اقتناع وطمأنينة؟ متى ستنتهي عقلية أعزّ الله الإسلام بذلك اللاعب أو ذاك المطرب أو تلك الممثلة؟ ومتى سنحترم اختيارات من يفارق الدين حتّى وإن لم نكن نشاطرها؟ الإسلام عزيز بذاته وليس بعدد أتباعه كما أنّه لا يحتاج لاستعمال العنف والترهيب حتى يدخل فيه الناس أفواجا ولنا في تاريخ الشعبين الماليزي والاندونيسي دليلا معبّرا على ذلك. 

Aucun commentaire: