mercredi 9 novembre 2011

جدلية الرقّ وتعدد الزوجات



الحلال بيّن والحرام بيّن. هكذا تقول القاعدة الشرعية العامة وما من شكّ أنّ الله سبحانه وتعالى لم يحرّم الرقّ والعبودية في القرآن الكريم على غرار تحريمه الصريح للخمر والميسر إذ نجد في عدّة آيات إشارة واضحة إلى مؤسسة الاسترقاق بل وتقنين لها: "العبد بالعبد"، "وما ملكت أيمانكم". كما أنّه ما من شكّ كذلك أنّ المولى عزّ وجلّ لم يحرّم تعدد الزوجات بل أباحه وقننّه خاصة في الآيات الأولى الشهيرة من سورة النساء.

ولسائل أن يسأل لماذا لا تنادي الحركات الإسلامية "المعتدلة" بالرجوع إلى مؤسسة الرقّ في حين أنها تطالب بعدم منع تعدد الزوجات؟

قد يجيب البعض عن هذا التساؤل بالقول أنّ العبودية مؤسسة بالية قد تجاوزتها المجتمعات البشرية باعتبارها عملا وحشيا ومخالفا للكرامة الإنسانية كما أنّ النصّ القرآني ذاته حثّ على عتق العبيد في الكثير من المواضع. فالرقّ إذن حتىّ وإن لم يحرّم صراحة فإنّه منهي عنه ضمنيا. أمّا تعدد الزوجات فهو ليس بالأمر الشنيع الذي يجب ضرورة إلغاؤه بل إنّ إباحته توفر جملة من المنافع كالتقليص من ظاهرة الزنا وتمكين الرجل الذي تكون زوجته عاقرا أو قد بلغت سنّ اليأس من إنجاب أبناء والتمتع بحلاوة الأبوة دون أن يكون مجبرا على مفارقة زوجته الأولى.

إجابة على هذه الدفوعات التي تبدو في ظاهرها منطقية في حين أنها تندرج في خانة كلمة الحقّ التي يراد بها باطل يمكن تقديم الحجج التالية :

أولاّ، إنّ الله سبحانه وتعالى وإن حثّ صراحة على عتق العبيد فقد حثّ كذلك بنفس الطريقة على عدم ممارسة التعددية الزوجية إذ هو أكّد على استحالة العدل بين الزوجات حتىّ ولو حرص الزوج على ذلك. كما تعرّض أيضا إلى مسألة الخوف من عدم العدل وأنّ الحلّ المنطقي تجاه هذا الخوف هو الاكتفاء بزوجة واحدة. وبالتالي فإنّ الآيات القرآنية تتضمن إلى جانب إباحة التعدد نهيا إلاهيا ضمنيا عنه وهو نفس التمشي الذي أشرنا إليه بالنسبة للرقّ.

ومثلما لم يكن بالإمكان تحريم العبودية في إطار المنظومة الاجتماعية والاقتصادية السائدة في القرن الأول هجري، فإنه كذلك لم يكن بالإمكان تحريم تعدد الزوجات في نفس تلك المنظومة ذات التوجه الذكوري والتي لم يكن فيها قبل الإسلام أي تحديد لعدد الزوجات الممكن اتخاذها بل أنّ الأمر القرآني بالاكتفاء بأربعة نساء فقط اعتبر في حينها عملا ثوريا نفس الشيء كذلك بالنسبة للدعوة إلى عتق العبيد.

ثانيا، إنّ القول بأنّ تعدد الزوجات أمر غير شنيع ويمكن في نهاية المطاف القبول به هو قول يجهل صاحبه أو يتجاهل الإحساس بالحيف والظلم الذي يعتري كلّ امرأة يقدم زوجها على الزواج بأخرى. ففي استطلاع للرأي حول تعدد الزوجات أجرته مجلة نسائية عربية وشمل نساء من مصر والمغرب والإمارات اعتبرت غالبية النساء أنّ زواج الرجل من ثانية تصرف مهين لكرامة وكبرياء زوجته الأولى.

أمّا بالنسبة للدور المحتمل لتعدد الزوجات في التقليص من الزنا فإنّ هذه الأطروحة لا تستقيم البتة باعتبار أنّ الرجل الذي لم يكتفي بواحدة لن يكتفي بأربع وبالتالي من الغريب أن نعالج سلوكا منحرفا من خلال مؤسسة الزواج وكأنّ الغاية الوحيدة من هذه المؤسسة هي مجرد إشباع الرغبات الجنسية. ثمّ إنّه حتّى في المجتمعات التي تبيح التعدد هناك العديد من الرجال الذين يمارسون الرذيلة وبالتالي من الساذج اعتبار أنّ من يقيم علاقة جنسية خارج إطار الزوجية هو مجبر على ذلك لأنه فرض عليه الاكتفاء بامرأة واحدة بل هو في أغلب الأحيان يريد فقط المجون دون تحمل أعباء وتبعات الزواج.

أمّا فيما يخصّ القول بأنّ التعدد من شأنه تمكين الرجل من التمتع بحلاوة الأبوة حين تكون زوجته عاقرا، فإني سأجيب عنه من خلال التساؤلات التالية : ماذا لو كان الرجل هو الذي ليس قادرا على الإنجاب، كيف سيكون إحساسه لو طلبت الزوجة الطلاق لكي تتزوج برجل ثان؟ ألن يكون ذلك بمثابة الخيانة أو الصفعة المدوية؟ وهل يقبل ذلك الرجل أن يفعل بزوجته ما لا يرضى أن تفعله به؟

وقد يقال أنّ بعض النسوة هنّ من يطلبن من رجالهنّ اتخاذ زوجة ثانية بغية الإنجاب لكن ينسى من يقول ذلك أنّ طلب الزوجة غالبا ما يتنزل في إطار الهروب من مضايقات العائلة الموسعة وحتّى لا يقع اتهامها بالأنانية إذ المرأة في المجتمعات الذكورية لا ينظر إليها إلاّ كأداة إنجابية لا غير.

إنّ الذين يلجؤون لتأويل النصّ القرآني لمنع الرقّ لا يمكنهم الالتفاف على ذلك النص لإباحة تعدد الزوجات وإلاّ كان تمشيهم مخالف للعقل والمنطق. فالحلال بيّن والحرام بيّن فإمّا أن نقبل بالرقّ والتعدد وإمّا أن نمنع كلاّ منها. وقد تفطن فقهاء المنحى الوهابي إلى هذا التناقض الذي من شأنه دحض مقولة لا تأويل مع النص الصريح فاستماتوا في الدفاع عن الرقّ إلى يومنا هذا وكأنّ لسان حالهم يقول لا تشتري العبد إلاّ والكمبيوتر معه.

Aucun commentaire: