lundi 6 février 2012

طالعوا... يرحمنا ويرحمكم الله

نحن شعب لا يقرأ، وإن همّ بالقراءة فسيقع اختياره على تلك الكتب الصفراء القيّمة التي تزخر بالفتاوى الجليلة حول كيفية دخول المرحاض والخروج منه بأخف الذنوب وحكم الأكل باليد اليسرى لفاقد اليد اليمنى ومدى إمكانية تطبيق أحكام الحيض على أنثى الجان وغيرها من المسائل الميتافيزيقية التي لا تزال المناهج العلمية لجامعات الغرب المشرك تتجاهل مع الأسف تدريسها وسبحان الذي يهدي بنوره من يشاء ويضلّ من يشاء.

وإنّ إقبال جمهور واسع على هذه الصنف من المؤلفات الشيقة يدحض ذلك القول الشائع بأنّ عزوف الناس عن القراءة مردّه ضعف القدرة الشرائية. فالتفسير الاقتصادي لا يكفي وحده لشرح أسباب هذه الظاهرة فخلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي كان عدد القراء أكبر والحال أنّ الأوضاع المعيشية لم تكن أفضل بكثير مما هي عليه اليوم.

في الحقيقة إنّ الكتاب أصبح في مجتمعاتنا العربية كائنا غريبا شبه أسطوري نادرا ما يصادفك وجوده في الأماكن العامة فمثلا يصعب عليّ أن أتذكر متى رأيت أحدا يطالع كتابا على متن قطار تونسي (استثني من هذه الإحصائية الشخصية تلك الكتب الصغيرة التي يطالعها عشاق الموضة الأفغانية) بل إنّ مطالعة كتاب في مكان عام يجعل من التوجهات الجنسية للقارئ الذكوري محل شبهة.

لقد أصبحت علاقتنا بالكتاب علاقة متوترة سيمتها الشك والريبة والقارئ العربي إن وجد لم يعد يطالع قصد التعرف على ثقافات وأفكار جديدة بل فقط لترسيخ ما يؤمن به من آراء وعقائد فيتجنب أي كتاب يقدم تصورا مخالفا لتصوراته بل لا يتوانى في توجيه أصابع الاتهام إلى من تسول له نفسه قراءة مثل تلك الكتب. فالعديد من الناس لا يكفيهم أنّهم لا يقرؤوا بل يؤذي أنفسهم المريضة أن يقرأ الغير.

ومع الأسف سيتفاقم الأمر إذا لم تعمل السلط التربوية على وضع خطة متكاملة لإعادة نكهة المطالعة للأجيال الناشئة ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلاّ من خلال القطع مع المناهج الجوفاء للمواد الأدبية ومع سياسة التلقين الآلي التي تجعل من التلاميذ يفتقرون للأدوات الفكرية اللازمة التي تمكنهم من الانفتاح على آفاق جديدة تثري نفوسهم وعقولهم.

2 commentaires:

Yassine a dit…

متفق معاك
حتى انا تعبت نحكي عليه الموضوع
http://yassine-tounsi.blogspot.com/2012/01/blog-post.html
مقال رائع
شكرا

Ecrits-anonymes a dit…

@Yassine
شكرا لاهتمامك