mardi 14 février 2012

بلد الفرح الدائم

لا شك أنّ المواطن التونسي يشعر في هذه الأيام الشتوية الباردة بسعادة دافئة تجتاح كيانه وهو يشاهد بفخر واعتزاز الثورة التونسية المباركة تحقق أهدافها النبيلة. كيف لا والأخبار السارة تتسارع والحمد لله حتّى أنّ المرء يكاد يفقد لبّه من شدّة الفرح والبهجة. فالجمهورية التونسية تمكنت أخيرا من الحصول على دفعة قيّمة من الأغطية الصوفية ذات الطراز العالي تكرمت دولة قطر الراعية الأولى للديمقراطية وحقوق الإنسان بإرسالها إلينا على جناح السرعة وبطبيعة الحال لم تغفل عدسات قناة الجزيرة عن تصوير هذا الحدث التاريخي فالصدقة القطرية على خلاف الزواج العرفي لا تصّح إلاّ إذا وقع إشهارها على رؤوس الملأ.

ولا يسعني كمواطن تونسي متيّم بمبادئ ثورة الحرية والكرامة إلاّ أن أشكر القيادة القطرية فردا فردا على هذه اللفتة الطيبة والأمر من مأتاه لا يستغرب فالكرم القطري لا يعرف حدودا فبعد أن أخذوا من وقتهم الثمين لتعليمنا كيفية الوقوف والمصافحة هاهم اليوم يعلّموننا كيف نحمي أجسادنا الهزيلة من لسعات البرد القارص. وأتمنى أن يتواصل هذا التعاون البناء فنحن بأشدّ الحاجة إلى الرعاية القطرية حتى نتمكن من تخطي المرحلة الشرجية والدخول بكل ثقة في مرحلة الطفولة الحضارية.

وإحقاقا للحق يبدو أنّ تونس قد تحولت فعلا في المدة الأخيرة إلى بلد الفرح الدائم فما إن انتهينا من الاحتفال بالأغطية والمصبرات القطرية حتّى هلّ علينا الشيخ وجدي غنيم حفظه الله ليجعل العرس عرسان والفرح فرحان. شيخنا الجليل اعتلى ركح قاعة المنزه بكلّ ثبات وطهره من دنس المغنين والقينات ثمّ بشّر الحضور بالفتح المبين وبعودة تونس إلى حظيرة الإسلام والمسلمين بعد أن كان أهلها يعبدون الأصنام العلمانية ويطوفون حول المعابد اللائكية. ولم ينسى الشيخ ذي البدلة البيضاء والساعة اليدوية الغرّاء أن يذكرنا ببعض الأحكام الشرعية المنسية كختان الحسان والفتيات والذي وإن لم يكن يرتقي حسب الشيخ الجليل إلى مرتبة الواجبات فهو يبقى مع ذلك مكرمة حميدة يثاب من أقدم عليها بنية صافية وقلب خاشع ولنا في ذلك أسوة حسنة بأخواننا في الصعيد المصري وفي بلاد النوبة وبعض قبائل القارة السمراء ممّن قطعوا أشواطا في التقدم والمدنية لا يزال الثغر التونسي الحديث العهد بالإسلام بعيدا كلّ البعد عنها.

أمام تواتر الأخبار السارة وتكاثرها لم يعد المواطن التونسي قادرا على استيعابها بصفة عقلانية فحالة الفرح الدائم تفرز في الدماغ مادّة كيميائية تجعل من الإنسان يعيش في عالم غيبي تمتزج فيه الزغاريد بالتهاليل فتزداد النشوة وتعمّ الغبطة. وسامح الله أصحاب الصفر فاصل ومن حام حولهم فلولا حديثهم الممل عن الصعوبات الاقتصادية والتحديات الاجتماعية وضعف النظرة الإستشرافية لكان الفرح أبديّا والسبات نهائيا.

Aucun commentaire: